التدوينات العربية رفوف المكتبة - Books قالوا - Quotes

ثلاثية غرناطة

6 مارس، 2012

هل في الزمن النسيان حقا كما يقولون ؟ ليس صحيحا الزمن يجلو الذاكرة , كأنه الماء تغمر الذهب فيه , يوما أو ألف عام فتجده في قاع النهر يلتمع.
لا يفسد الماء سوى المعدن الرخيص يصيب سطحه ساعة فيعلوه الصدأ.
لايسقط الزمن الأصيل من حياة الإنسان يعلو موجه صحيح.
يدفع إلى القاع يغمر ولكنك إذ تغوص تجد شجيرات المرجان الحمراء وحبات الؤلؤ في المحار. لا يلفظ البحر سوى الطحالب والحقير من القواقع, وغرناطة هناك كاملة التفاصيل مستقرة في القاع غارقة.*

*رضوى عاشور

 

الأندلس لغز ساحر بالنسبة لي أقرأ هنا وهناك تفاصيلها الكثيرة تأخذني مرة للزهو والفخر بطريقة مضحكة أحيانا, ومرة أغضب من تشويه التاريخ والحضارة من أسماء لم تضف للتاريخ الإسلامي شيئا.
مايميز ثلاثية غرناطة ..أنها رواية قريبة للإنسان حاولت رضوى أن تتحدث عن الإنسان والعديد من الأجيال, عن الحياة الاجتماعية والحب, و كيف عاش الأندلسيون تقلبات المجد والرخاء وكيف دفع ثمن مئات السنين من الانهيار البطيء.
الوصف والتفاصيل الدقيقة ترضي نهم قارئة مثلي تكمل التفاصيل من خيالها حينما لا تتوفر, قلما توقفت عن القراءة مع ثلاثية غرناطة كما مع غيرها من الكتب التي أقف أتأمل المشاهد لإكمال شكل فناء المنزل مثلا أو ملامح شخص حتى أعيش التفاصيل بحذافيرها, رواية التفاصيل رواية الوداع والرحيل ربما استطيع أن أطلق عليها النسخة العربية من مئة عام من العزلة … ولكنها مئة عام من السقوط والوداع الطويل.
أبكتني فصولها كيف يشاهد المسن نيران تلتهم مجهود المئات من السنين والأشخاص في ثواني… كنت قد مت في خيالي قهرا قبل ان يموت …. الكتاب هذا الكائن الذي يمد تفاصيله لتصبح وأرواحنا جزء واحدا كيف أصبح مجرم هارب مختبئ في ذاك الزمان.
قرأت الكثير عن الأندلس لكنني أتعامل مع تلك البلاد “كحدث” حضارة سقوط.. مع ثلاثية غرناطة دخلت عوالم الأشخاص كيف واجهوا السقوط كيف تكيفوا مع الحياة كيف حرسوا دينهم وسقوا لغتهم من مياه عيونهم.. مع أزقة غرناطة وبقية المدن وقصورها وحجارتها وهي تنطق بهويتها سمعت صوت الكتب وهي تنعي موت زمان رخاءها .. حتى بناء الشخصيات كان مذهلا في الثلاثية .. في خط زمن مذهل متى يقف ومتى ينتقل لحدث آخر .. حتى في ثرثرة الشخصيات أحسست في بعض النقاط أنها كناية عن زمن متكرر لا ينتهي من إعادة نفسه بملل, أحسست أن التفاصيل الكثيرة والثرثرة جزء من خطة رضوى مع الرواية, وإن كانت في نظر من ناقشت معهن الرواية هي مجرد إضافة لا داعي لها.
فترة حرجة من التاريخ الإسلامي العربي الأندلسي , فترة الضعف السقوط الحصار .. كلها والثوار يشكلون أملا ترسله الجبال مرات استبشار الأهالي رغم ما يعيشون, أحببت كيف يظهر في لحظات, ليخفف علينا غصة رافقتني .. رغم أنني اعرف التاريخ كنت بطريقة مثيرة للشفقة أنتظر أن تقول رضوى عاشور بأن الثوار انتصروا وعادت الأندلس مسلمة عربية..
الأندلس غرناطة البيازين …. إلخ تاريخ وحكاية لا نمل تكرارها مئات السنين تبعت بعضها وانقضت ولازالت حكاية الرثاء الكبيرة التي نعيد ترديدها ولم تجف حتى اليوم الجفون التي تبكي سقوطها المر.

You Might Also Like