Browsing Tag

بحث عن الذات

التدوينات العربية رفوف المكتبة - Books

صراع الذكاء في “كيف أصبحت غبيًا؟”

25 يوليو، 2018

 

كتبت هذه المراجعة قبل أكثر من سنة وكنت أود نشرها في مجلة القافلة لذلك انتظرت كل هذا الوقت وأخيرا نشرت في العدد الأخير (تجدونها في موقع مجلة القافلة هنا)

 

منذ أن ظهرت قبل بضع سنوات، لا تزال رواية “كيف أصبحت غبياً” للأديب الفرنسي مارتن باج موضع خلاف بين النقاد حول تصنيفها. فمنهم من يكتفي بتصنيفها على أنها رواية ساخرة، ومنهم من يسارع إلى وصفها منذ السطر الأول بأنها رواية فلسفية، وكأنه يخشى على قيمتها الأدبية من أن تتدنى إذا ما وصفت بالساخرة. ولربما كانت وجهتا النظر هاتين على حق في آنٍ واحدٍ. أما بالنسبة إلينا، فقد حضر إلى أذهاننا أثناء قراءة هذه الرواية بيت المتنبي القائل:

ذو العَقْلِ يَشْقَى فِيْ النَّعيم بِعَقْلِهِ                 وأَخُو الجَهَالَةِ فِيْ الشَّقَاوةِ يَنْعَمُ

العقل قوة تقود حياة الإنسان، وهو أداة للنعيم وللشقاء، وقد يلقي بصاحبه في متاهات لانهائية. ولكن هل من الممكن أن تتحول إلى شخص لا يفكر؟ هل بإمكانك أن تنتقل من زمرة الأشخاص الذين يحتقرون الحياة الاستهلاكية التي تسطّح الفكر، إلى من يمكنه الانغماس فيها بدون أي شعور بالسخف؟ وهل فكرة الانغماس في حياة الملذات والاستهلاك هي حقاً طريق إلى الغباء؟ وهل يمكن للإنسان أن يتغير بهذه السهولة والسرعة ويعيش في تناقض بين إيمانه الداخلي وتصرفاته الخارجية؟ هل حقاً يوجد مفتاح يمكن إدارته في أي اتجاه والتحكم بمدى قدرات العقل؟ هذا الكتاب يلعب حقاً بالمفتـاح الخـاص بعقل القارئ، فالفكرة والأسلوب على قدر شاهق من الذكاء، تتزاحم على إثره التساؤلات، وتصبح كرّاسة القارئ مليئة بسطور استبدلت فيها نقاط النهاية بعلامات الاستفهام.

رواية الكاتب الفرنسي مارتن باج ساخرة وفلسفية من الطراز الرفيع. فازت بجائزة أدب المدارس، وهي جائزة تعطى من قبل الطلاب في ألمانيا وبلجيكا وهولندا، وترجمت إلى 24 لغة، من بينها العربية، وصدرت عن المركز الثقافي العربي عام 2013م.

الموت أو الغباء؟
تنقسم الرواية إلى قسميــن. حيث يتمحــور الأول حول رغبة الشاب أنطــوان في إنهـاء حياة الجحيم التي يعيشها بذكائه، ومن ثم الخروج من دوامة التعاسة – كما يعتقد- بالموت. بدأها بالإدمان على الكحول لتنتهي بانتظامه في مدرسة لتعليم الانتحار. وهو الجزء الأكثر سخرية في الرواية، الذي يمكن للقارئ أن يفهمه برمزيته ويضحك بصوت عالٍ، ثم يتوقف ليفكر..

أما القسم الثاني، فيتضمن قرار أنطوان أن يسير مع التيّار بحثاً عن راحة العقل والفكر، وهنا تأتي المفارقات. رغبة البطل في أن يصبح غبياً جعلته يسخّر كل قدراته العقلية لتحقيق هذا المبتغى! ولأنه ذكي كما يعلن في مواقف كثيرة خلال سير أحداث الرواية، فإنه يهرب من الذكاء مستخدماً الذكاء نفه!. أبدى البطل رغبةً واضحة في أن يكون طبيعيّاً يعيش ويتماشى بشكل كامل مع المجتمع. الأمر الذي قرَّره بعد مراجعته لذاته واكتشافه لتعاسته مقارنة بكل الأشخاص حوله ممن صنفهم أنطوان بالأغبياء، وقليلي الحظ من الناحية الفكرية، أو ممن لم يرغب ببساطة بتشغيل عقله. العقل الذي يقول الكاتب عن دوره:
“لم يكن عقله يتيح له أي راحة ، كان يمنعه من النوم بتساؤلاته المستمرة ويوقظه في عز الليل بشكوكه ونقمته وسخطه. روى أنطوان لأصدقائه بأنه منذ زمنٍ طويل لم يعد لديه لا أحلام ولا كوابيس لفرط ما تخيّم أفكاره على فضاء نومه. كان أنطوان لفرط التفكير، وتورُّم الوعي، يحيا حياةً بائسة. وهو يريد الآن أن يكون أقل وعياً وأكثر جهلاً بالقضايا والحقائق والواقع.. لقد عانى ما يكفي من حدة النظر التي منحته صورة رديئة عن العلاقات الإنسانية. يريد أن يعيش، لا أن يعرف حقيقة الحياة، أن يعيش فقط”.

حينما يكون الذكاء عائقاً
قرر أنطوان – والقارئ يعيش معه هذه الرحلة – أن يضع حداً للشقاء. ولكن ذكاءه كان بالمرصاد يقف ك حجر عثرة في طريقه. حاول التماهي مع المجتمع الذي يعيش فيه، في حين أن كل ما كان يريده هو الهرب. ويستطيع القارئ بسهولة رؤية شخصيات الكتاب في فِلْم، رغم أن الرواية -مع الأسف- تُعد قصيرة. إذ إن الكاتب نجح في شرح فكرته بشكل وافٍ، وتقديم شخصياته بذكاء تام دون زيادات لا حاجة لها.
فهذه الرواية هي محاولة لتفنيد الواقع الذي نعيشه والتصرفات الإنسانية، ومحاولة للإشارة بشكل غير مباشر إلى المنحدر الاستهلاكي الضارب بالعمق في حياتنا، الذي وصلت إليه البشرية، والفريق المضاد لهذه الحياة، بحس ساخر يصل بالقارئ إلى الضحك على مواقف كثيرة تضمنتها الرواية. وهذا فن من نوع خاص لا يجيده الكثيرون.

أنطوان وكابتن فانتاستك
يُعيد هذا الكتاب إلى الذاكرة فِلْم “كابتن فانتاستك”، الذي تدور أحداثه حول عائلة أمريكية قرَّر فيها الوالدان الابتعاد عن العالم المتمدن، والنجاة بأطفالهما من خلال حياة بدائية مطعَّمة بجرعات من المعرفة مستوردة من العالم الذي نعيشه، لكنها منتقاة من كل زمان ومكان، ابتداءً بالموسيقى وانتهاءً بالكتاب والمعرفة، لينشأ أطفالهما – كما يعتقدان- متحررين من سلطة المجتمع، بعيداً عن التعليم النظامي والتلفزيون والأجهزة الإلكترونية. ويظهر الفِلْم كيف أن ذلك أسهم في تأسيس عقول نيرة وشخصيات فذة، بموازاة عدم إغفال الجانب المفقود من الحياة البدائية واستحالة الاندماج مع المحيط الخارجي حينما يكبر الأبناء. إذ لا يمكن بأي شكل تجاهل الواقع والتغاضي عن متطلباته.
في فكرتي الكتاب والفِلْم شيء من التطرف. إمَّا أن أكون من هذا الفريق أو ذاك. في حين أن السؤال الذي يتبادر إلى الذهن هو: هل من الممكن التوسط في ظل العالم الذي نعيشه؟ وكيف تعرف بأنك قد جانبت الوسط؟ وما هو الحد الذي يصف خط النهاية والبداية؟ المسألة ليست فقط إما السواد الحالك أو البياض الناصع، هناك عالم متكامل من الألوان بينهما، وهذا ما يدفع القارئ إلى الشك بإمكانية البقاء في المنطقة المحايدة.

الغباء في إطلاق الأحكام:
في بحث بطل الرواية عن حقوقه في اتخاذ مواقف مغايرة مما ينتظره المجتمع منه، نسمعه يقول:
“- لماذا لا يحق لنا أن ننتقد ونَعُدُّ الناس مغفلين ومعتوهين؟ بذريعة أننا سنبدو مغتاظين وغيورين؟ يتصرف الجميع على أننا متساوون، على أننا أثرياء مثقفون، أقوياء، بيض، صفر، وسيمون، ذكور، سعداء، بصحة جيدة، لدينا سيارة ضخمة.. ولكن هذا ليس صحيحاً. وبالتالي، لدي الحق في أن أحتج وأن أكون في مزاج سيء، وألا أبتسم بسذاجة طيلة الوقت، وأدلي برأيي حينما أرى أموراً غير طبيعية ومجحفة، وحتى شتم بعض الناس. هذا حقي في الاعتراض.
– أوافقك الرأي، ولكن… هذا متعب. ربما علينا أن نفعل شيئاً أفضل من هذا، أليس كذلك؟
– أنت محق. من الغباء أن نهدر طاقتنا في أمور لا تستحق عناء ذلك. من الأفضل أن نوفر قوانا للتسلية”
يمكننا من خلال كتاب ” كيف أصبحت غبياً؟” أن نتتبع حياة البطل أنطوان ونحدِّد ملامح المنحدر الذي وصل إليه، لأنه كان يعيش الحياة التي بحث عنها والتي يعتقد بأنه ومن خلالها سيصبح غبياً في المجتمع الاستهلاكي المعاصر.
قد يكون ذكاء أنطوان وصل إلى حد جعله يحاول أن يضع نفسه في زمرة الأغبياء من خلال إطلاق الأحكام جزافاً على الأشخاص الاستهلاكيين. وقد تكون هذه طريقته الذكية في أن يكون غبياً. فللغباء أشكال عديدة، ولا يمكن لتفاصيل الحياة المعقدة أن تكون بالسهولة التي تسمح لشخص ما أن يحصر كل الحالات والتفاصيل ويفندها ويصنفها بين ذكية وغبية. هذه رواية التساؤلات في الدرجة الأولى، ورواية إعادة التفكير بكل التفاصيل لتكون مطبة فكرية للقراء.
كلنا سنجد شيئاً منا في هذا الكتاب. ليس بالضرورة التعاسة الناجمة عن الذكاء، بل أيضاً البحث عن الاندماج في مجتمع ذي بعد واحد يقتل التعددية وإن كان يدعي استيعابها كلها داخل حواجزه. وإذا كنا على قدر كافٍ من الوعي، فهل يمكننا أن نخلق عالماً خاصاً بنا ونبقى في الوقت نفسه على اتصال مع الواقع والعالم المحيط؟.

 

Art التدوينات العربية كان يا مكان - Stories يومياتي - Diary

2- حينما يكون السؤال جوابا: كيف بدأ كل شيء؟

24 سبتمبر، 2017
 "Insomnia" Artwork by Pascal Campion

“Insomnia”
Artwork by Pascal Campion


قررت أن أفرغ كل شيء على الورق، كل الأصوات داخل عقلي والتي لا أفهم معانيها أو الحروف التي تلتصق بجانب بعضها في مخيلتي دون أن أفهمها، وعلى قصاصة ورق صغيرة كتبت: أود أن أضع الذكريات في علبة وأغلق عليها درج المكتب الذي سأبيعه خلال أيام لتنتقل لمكان بعيد جدًا، ولا أضطر للتعامل معها مرة أخرى، كيف يمكن أن تسكت الأسئلة؟، وتستأصل الرغبة بتحليل الأشياء ومحاولة فك شفرات الإنسان التي فشل الجميع في حلها قبلي؟ كيف ننمي القدرة على إيقاف التأمل المبالغ فيه حينما يتجاوز الحد المقبول” بعد التساؤل الأخير لم يتبقى أي مساحة يمكنني أن أضع فيه علامات الاستفهام، وهذا ما يحدث بالضبط، أجزاء مهمة من سياق الحياة لا تجد لها متسعا في عقلي.

لاحقًا في طريقي للعمل، كنت أفكر بوجهتي في رحلة الحياة، لماذا لم أجد طريقي بعد؟ كل المسالك تعود لنقطة البداية، وكأنني لم أبرح مكاني، إحساس غريب بأنني أقف على أرض هشة، كل الجسور مهشمة حولي لا أكاد أنتهي من بناء واحد حتى يسقط من ثقل خطوة واحدة أخطوها عليه، خطر ببالي حينما سألت ذاتي: “إلى أين أتجه؟” أن أعرف  أولًا من أين أتيت؟ كيف بدأ كل شيء؟ نقطة البداية يجب أن أعود إليها وأتمعنها جيّدًا، أحفظ تفاصيلها، حتى لا أبقى أعود إليها بعد كل منعطف خاطئ أسلكه خلال الرحلة.

لسبب لم أكتشفه بعد، أعود لذكرى بعيدة جدًا تعيدني للسابعة من عمري، ويخيّل لي أنها البداية ونقطة التحوّل لكل شيء، المنعطف الذي أضعت به طريق العودة لعالم الواقع، حينها تعرفت على معنى كلمة الأرق كنت أستيقظ كل يوم بعد ساعتي نوم مضطربة، رغم خوفي الكبير من الظلام ومن البعيد المهجور إلا أنني كنت أسير وحيدة في منتصف الليل، أصعد للأعلى أنزل للفناء الخارجي أبقى في حركة مستمرة أسير بجانب الجدار، كأني أقيس حجم غرف المنزل يدي داخل جيب سترتي، وعيني مركزة على أصابع قدمي المطلية بالألوان، كتفي ملتصق بالحائط كلما صادفت كنبة أو طاولة، تحول دون أن يبقى كتفي مستندًا على الحائط أحاول حل المعضلة، هل أسير فوق الكنبة؟ أم أزيحها؟ أو أمر من جانبها؟ تأخذ هذه العملية كل يوم وقتاً ليس بالقليل، حينما أصل لمدخل المنزل أكتشف بأن الليل بأوله، لأن الباب الزجاجي يعكس ظلامًا دامسًا، ألصق وجهي على الزجاج أحاول أن أنظر للسماء من النقطة التي أقف عليها، حتى النجوم ليس لها آثرًا هناك بالأعلى. لأعود أدراجي ثانية بالسير بجانب الجدار كتفي يلتصق به وقدماي تتحرك قدمًا.

في أعلى نقطة في المنزل أمام باب السطح تنتهي رحلتي اليومية، حيث قطعة الكنب القديم لسبب ما تغاضى الجميع عن حملها خارج المنزل وبقيت هناك تحتوي ساعات الأرق التي كنت أعاني منها رغم صغر سنّي، والغريب أنني أستلقي عليها أفكر بكل شيء، بأفكار لا أفهمها في تلك الفترة، تستيقظ كل حواسي ولا تتناوب على الحصول على انتباهي، تستيقظ في نفس الوقت تجذبها أفكار ونقاط مختلفة حولي أبقى مشتتة بينها.

كان من الصعب عليّ منذ صغري أن أُبقي تركزي على شيء واحد أتقلب من حاسة لأخرى أكتب لدقيقتين، أركض لعشر دقائق، أقرأ لعشر دقائق أخرى، أعود لأكتب القصة التي بدأتها قبل عشرين دقيقة، أقطعها لأُفكر في شيء ما، وهذه الطريقة هي الوحيدة التي عرفت بها كيف أفهم الحياة، أو أن أمارسها. مجموعة تصرفات لا تمت لبعضها البعض بأي صلة، مجموعة من الأحداث التي لا أعرف كيف أنتهي من واحدة لأصل للأخرى.

عرفت الآن بعد ٢٣ عاما أن كل ما أنا عليه اليوم بدأ في تلك الليالي، لذلك عدت لأكتشف كيف بدأ كل شيء؟  وكأنني دخلت لبلّورة زجاجية تعزلني عن العالم وكل محاولاتي للخروج منها باءت بالفشل، لم أعرف العالم الخارجي وأعتقدت بأنه لا يناسبني أبداً، بدأت أشعر بأنني لا أنتمي إليه، أود الخروج من نفس الباب الذي حمل خطاي للداخل، فهذه هي الطريقة الوحيدة هذا هو المخرج الوحيد فلا يوجد أن مخرج طوارئ أو مختصرات. Continue Reading

التدوينات العربية كان يا مكان - Stories لوحات يومياتي - Diary

1- حينما يكون السؤال جواباً: إلى أين أتجه؟

17 يونيو، 2017

صوت عقارب الساعة يمتزج -بشكل بشع- بصوت اندفاع الهواء من أجهزة التكييف، صرصار الليل يؤدي دوره هناك بالخارج وهو الدور الذي لم أفهمه حتى الآن!، هل يُعَدُ الصوت الذي يصدره تميمة لحفظ الأرض؟ أو ربما مجرد نداء لكائن لن يسمعه أبدًا؟!.
صوت ارتطام الكوب الذي أحمله كل مرة ينزل ليستقر على الطاولة، هذه الصرخة المدوية التي قد لا يلفتني حدوثها في أي وقت آخر من اليوم، فقط الآن تستفز الصمت حولي وتفسد لحظات اللاشيء التي أعيشها، ولكنها بشكل ما أعادت للذاكرة تفاصيل كنت قد نسيتها منذ وقت مضى، تفاصيل الجلوس أمام باب السطح تلك البقعة التي أسميتها صومعة، أقصدها كل ليلة منذ وقت مبكر من عمري. شعور غريب يحيط بي وهذا ما يزعجني  فيما يخص الذكريات الزائرة، تسقط عليك كقذيفة تحوّل كل شيء داخلك لـ دمار حقيقي كُنتَ للتو رممته ومضيت.

لم أنم ولا دقيقة ومضى الليل للجهة المقابلة من العالم، تساوت كل الأشياء بالنسبة لي، ولا أعلم منذ متى توقفت عن الاهتمام بكل شيء، هكذا! دفعةً واحدة؛ لم يعُد لأي شيءٍ قيمة حقيقة، كل الخيارات صحيحة أو بمعنى أصح؛ كل الخيارات مجرد مسالك مختلفة لوجهة واحدة، أصبحت كل التفاصيل بلا جدوى، والحياة مجرد تكرار آلي أستيقظ لأنني أفتح عينيّ كل صباح أغادر منزلي نحو مقر العمل لأنني لا أعرف غير أن أتّبع السلسلة السلوكية ذاتها كل يوم.
حاولت أن أبحث عن معنى أو شغف جديد يعيد الحياة لعروقي، ارتكبت جميع الحماقات ودفعت بنفسي في الكثير من التجارب التي لم أكن لأعيشها من قبل أبداً. بحثت عن حياة موازية في الكُتُب، عن عالم افتراضي يملؤني دهشةً ويعطي قيمة حقيقة لوجودي، حاولت التواصل مع روحي صليّت، رقصت، بكيت ولكنها تجاهلت كل حروف النداء، ولم يكن ليتغيّر شيء.

غادرت منزلي بلا وجهة محددة، حتى أن الصمت هزمني حينما سألني السائق عن الوجهة، وكان هذا أول التساؤلات التي وجدت نفسي في مواجهتها، والتي نبهتني لحقيقة أن الجواب يكمُنُ في السؤال الصحيح، هل يجب أن أُجيبَ عليه؟ أم يكفي أن يستوقفني للتدبر في تفاصيله؟ عرفت بأنني كنت أبحث عن إجاباتٍ لأسئلةٍ مجهولة، كنتُ تائهة، لأنني لا أعرف كيف أمسك خيط السؤال لأنطلق في البحث عنه، فأصبحت مجرد كومة من التساؤات المكتنزة داخل جسد، كلما هَمَ عقلي في العمل يتزاحم داخله عدد لا نهائي من الاستفهامات المتقاطعة والمتوازية، فيسقط مجهداً في آخر الليل.

إلى أين – أعاد السائق سؤاله لكنني بقيت لـ٤ دقائق صامتة بل متجمدة. إلى أين؟  إلى أين؟  همممم بدأ الوقت يضغط عليّ مرة أخرى، يجبرني على إتخاذ القرار خوفاً من أن ينفذ. حتى خيّل لي أنني أسمع عدًا تنازلياً ويجب أن أجيب قبل انقضاء الرقم واحد. كل ما أحتجته هنا هو السؤال المناسب في الوقت المناسب، لأفهم لأستنير، هذا الموقف بتفاصيله ما هو إلا تمثيل واقعي لأحداث حياتي، عامل الوقت هو أكثر العوامل التي تحدد خياراتي وتوجهها. هل هذا أمرٌ صحيّ؟ متى كنت متأخرة في اتخاذ القرار ومتى استعجلت اتخاذه؟ كومة من التساؤلات وجدتها غزت عقلي بشكل مفاجئ وأحالت جفافه لنهر جاري، وددت لو أنني أبقى مكاني هنا أكتب وأكتب وأكتب، دون مقاطعة، لكن السائق عاد ليسأل :

Continue Reading