٢٠١٦ التدوينات العربية تحدي القراءة رفوف المكتبة - Books سبتمبر يومياتي - Diary

سبتمبر6-15: صراع الذئاب البريّة

14 سبتمبر، 2016

img_7811
١٢\٩\٢٠١٦م..     الساعة الواحدة صباحا ٣٠ في معنى أن أكبر*

تتوقف لإحصاء أيامك على هذا الكوكب، لتتيقن بأنها مجرد ذكريات لا يمكن أن تتوحّد في نص، خاصة حينما تكون الحياة قد أخذتك في مناحٍ متشعبة، لتموج بك مرة ترتقي بك في أعالي السعادة ومرة في أسفل قاع الحزن والخذلان. لا يهم كم مرة نعود لنَلعَن بعض الذكريات، أو لنتأمل جمال أخرى، ما نحن عليه اليوم هو حصيلة كل ما عَبَرنَاه وعَبَرَنَا، السيّء قبل الجيّد، القبيح قبل الجميل، والصعب قبل الأسهل.

٣٠ عاماً لي على الأرض يالله! تبدو وكأنها دهراً!، ولأنني مهوسة بتجميع الأفكار ومحاولة الإجابة على كَمْ؟ ومتى؟ وكيف؟، تسائلت عن عدد الخطوات التي مشيتها على هذا الكوكب، الاتجاهات التي سلكت، بانتمائي للصحراء الذي أفخر به، بكوني حفيدة تلك السيدة البدويّة الحُرّة، التي قالت وهي تعطيني خيارات سأواجهها في مستقبل الأيام:  الطريقة التي تتحدثين بها تصنع مسقبلك، هل تودين أن تكون تابعة؟ أو قائدة لحياتك؟، تلك السيّدة البدوية التي نامت إلى الأبد، وتركت لي عكازها أعلقه أمامي كتذكار للقوة، ودفعة لأكون ذاتي قبل أي شيء آخر.

أحاول أن أعود بذاكرتي للصفحات التي قرأتها، القصص التي كَتَبتْ، حتى تلك التي حُذِفَتْ قبل أن ترى النور، عدد المرات التي طُبع فيها اسمي على صفحات الجرائد، عدد المرات التي وقعت بها بحب شخصية هاربة من بين سطور الكتب، المرات التي حلمت بها بأن أسافر عبر الزمن.
عدد الأصدقاء الذين زرعهم الله في طريقي، المحادثات التي جرت بيننا الأفكار التي تبادلناها، الخذلان الذي مر بحياتي، الأيدي التي امتدت لي في أصعب الأيام، التجارب التي صقلت الشخص الذي أصبحته اليوم، تصالحي مع ذاتي، الأحلام التي مرت بخيالي تلك التي تحققت وحتى التي ماتت ومحاولات إحياءها، عدد السّاعات والليالي التي قضيتها وأنا أرقص على أنغام قادمة من الماوراء، من كل المدن التي حلمت يوما بزيارتها، عدد الخرائط التي علقتها لأخط عليها كل رحلات السفر التي أحلم بأن أسلكها، الاقتباسات التي زرعت في ذاكرتي القصائد التي كتبتها وخبأتها في مذكراتي، الشعراء الذين كبرت وأنا أتتلمذ على كلماتهم.

عدد حبات المعمول والمارشميلو التي رافقتني خلال رحلاتي مع الحرف والكلمات، وعدد فناجين القهوة التي كانت في معيّتها، عدد الفساتين التي ابتعتها لأحتفل بذاتي، الأحذية التي إرتديت، الأيام التي كنت أبحث بها عن سلسالي لأجده يتدلى من عُنُق شقيقتي وكأنه ملكها. الأقراط التي لم أغادر يوما منزلي بدونها، الليالي التي قضيتها مع شقيقتي نشاهد عروض الأزياء حول العالم، أو مارثوننا الخاص مع المسلسلات الأمريكية،  المعارض التي زرتها معها اللوحات التي حلمنا باقتنائها،  والمرات التي قالت لي جدتي ( هذا الفستان قصير لا يصلح )، وعدد المرات التي حاولت إرضاءها بشده قليلا للأسفل. تعابير وجه جدي القادم من زمن آخر، ونحن نجلس سويّا ونغنّي، إيماءاته المضحكة التي يتعمّدها لأضحك بأعلى صوتي كلما تذكرتها.

 والكثير الكثير من الأشياء التي خبئتها الذاكرة بعيدا عن خيالي الآن، لكنها جزء لا يتجزأ من أيامي. أعتقد بأن أكثر ما يمكنني أن أكون ممتنة لأجله في عامي الماضي، هو تصالحي مع ذاتي قبولي لعيوبي الشخصية قبل مميزاتي، اعترافي بكل ما يجب أن تطاله يد التغيير في حياتي، كل ذلك يهيئني لأتطلع لعامي الُمقبل وكل المفاجأت التي تخبئها لي الأيام، فأنا الآن أقوى من تلك الطفلة التي وجدت نفسها وحيدة في مهب الحياة، وأنا اليوم سعيدة بما أصبحته، ولن أبدل أي تجربة خضتها بكل مُتَع الحياة التي رغبت.

١٣\٩\٢٠١٦م … الساعة العاشرة مساءا   هيرمان هيسه

كتاب هيرمان هيسه، (ذئب البراري)
الإنسان الُممزق بين الاتجاهات، مَنْ تتقاذَفه الاحتمالات والرغبات والغرائز والانتماءات، يَطل علينا من خلال الشخصية الرئيسية في الرواية، قدمه هيسَه ليُشَكِل كل ما يمكننا تصوره عن الإنسان الذي يعيش صراعاً مع واقعه وطبيعته، هاري هاللر الشخص المثقف الذئب، بمثابة نافذة نحو محاولة فهم الصراعات الشخصية الخفيّة
هذه الرواية بالنسبة لي عدسة مكبرة لنشاهد الذئب الذي يسكننا ويعوي ونتجاهله تارة وننصاع له تارة.
إستوقفني هذا النص  المجنون في الرواية: 

ما يحدث مع العباقرة يخترقون وهْم وحدة الشخصية، ويدركون أن الذات مؤلفة من حِزمة من الذوات، ويكفي أن يقولوا هذا حتى تعمد الأغلبية وعلى الفور إلى حبسهم بالقفل والمفتاح وتطلب مساعدة العلم، وتثبت وجود انفصام في الشخصية، وتحمي الإنسانية من ضرورة سماع صرخة الحقيقة المنبعثة من بين شفاه هؤلاء التعساء.
فلماذا إذا نهدر الكلمات؟، لماذا ننطق بشيء يقبله كل إنسان مفكر على أنه بديهي، في حين أن مجرد نطقه يكسر الذوق العادي؟ لذا فإن كل إنسان يتوصل حد يجعل فيه وحدة الذات المفترضة ثنائية الجانب هو عبقري حتمًا.* هيسه

ولأن هيسه دائما يطرق الأبواب بشكل محتلف يخرج لنا بنص مثل هذا، (ذئب البراري) لا تَصّلُح للقراءة في أي وقت، كان اختياري لها لتكون كتاب العيد خطأ فادح، فتفاصيلها جعلتني أغلق الكتاب متسائلة عن الذئب داخلي هل يسيطر على عقلي أم أسيطر عليه!!، وألعن الإبداع الذي يأتي إلينا بهذا النوع من الهذيان، ويعد ورطة حقيقة لقراء هيسه، وحده من يصارع الذئب داخله سيفهمها وحده من يغرق بتفاصيل المحيط ستجرفه لمسارات لم يكن ليفكر بها سابقاً.

كما في رواية (دميان) هذا الكتاب لا يتركك بعد آخر صفحاته كما كنتَ سابقاً، وهو الكتاب الذي لا تنتهي منه بمجرد إعادته لرف الكتب، فحتما ستعود إليه مرات ومرات أخرى لتقرأ أجزاءك المفضلة، ولتستعيد تفاصيل فكرة تود مناقشتها مع صديق. طيّب، وقبل أن أنهي حديثي من المهم أن أشير إلى ترجمة دار مسكيلياني، أعرف بأنني قلتها سابقا، إصداراتهم مذهلة تستحق الإقتناء.

* عنوان الجزء الأول من التدوينة مقتبس من رواية ليلى الجهني ٤٠ في معنى أن أكبر

 

You Might Also Like

2 Comments

  • Reply الخنساء 22 سبتمبر، 2016 at 10:53 م

    كل عام وأنتِ مشاعل، متفردة ومتمردة ومتصالحة مع ذاتك وأحلامك المتحققة والفائتة ❤️
    الثلاثين نقطة محورية، تشدنا للبدايات وتطلقنا للأفضل يارب
    أحبك يابت وأحبك أسلوبك في الكتابة

    Leave a Reply

    هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.