٢٠١٦ التدوينات العربية تحدي القراءة رفوف المكتبة - Books سبتمبر يومياتي - Diary

سبتمبر2-15: معركة ذات الستائر

5 سبتمبر، 2016
artwork by pascal campion

Artwork by pascal campion


٣\٩\٢٠١٦م  الوقت: غير معروف،  ذاك الذي …  خالد عبدالقادر:

أحكي لكمْ عن صوتِهِ الحوْليِّ يثْمرُ كلَّ عامٍ رعْشةً
بقراءةِ السُّوَرِ القصيرةِ و الدعاءِ و آيةٍ : (( قُلْ يا عبادي )) مُسْرِفٌ ..
لكنْ يحبُّ اللهَ أكثرَ من أبيهِ و عارفٌ ..
لوْلا القصائدُ و السجائرُ
ما رأتْهُ العينُ إلاّ رَأْيَ غيمٍ صالحٍ .

أحكي لكمْ عن سقفِ حجرتِه الذي سَكَنَتْهُ أشباحُ القبيلةِ
هارباً منهم .. يشدُّ مُلاءَةً و يعضُّ رُكْبتَه و يهتفُ : لا أحبُّ جنوبَكم لو زُرْتموني كلَّ عامٍ مرَّةً
كنتُ احْتملتُ بَداوتي و أدرْتُ ظهري للشمالِ
تركتُ خلْفي شبهةَ الإنسانِ رجعْتُ لي .

٣\٩\٢٠١٦م  …. الساعة السادسة والنصف عصراً.. كيف بدأت ذات الستائر؟ :

مَضَتْ سِتُ سنوات منذ أن إنتقلنا لمنزلنا الحالي، وقتها بدأتُ أخُوضُ معركة لإبقاء غرفتي بدون ستائر، رغم محاولات والدتي بإقناعي بضرورة (السِتر)،  وأنا أتجاهل هذه المطالب كوني مفتونة بالمساحات الشاسعة، أحب أن أنظر -كلما رغبت بذلك- بعيدا في الأفق بلا حواجز، فالنقاط أعلى سقف غرفتي لم تعد تغريني مثلما كانت تفعل في فترة طفولتي. أريد المزيد دائما والأصعب والأعلى والأبعد.

حينما أعلنَت والدتي احتجاجها بِشَكل أكثر شَراسةً عن ذي قبل، في محاولةٍ لإنذاري بأنه قد ( طَفَحَ الكَيل)، قرّرت التلاعب على الواقع كما أفعل دائما، بعد أن استنفذت محاولاتي السابقة، عَلّقت ستارة بيضاء شفافة بـ (دانتيل) يزيّن مساحات منها، كانت نظرة والدتي حينما شاهدتها تحمل الكثير من الخذلان وفي الوقت ذاته  تحمل من الإصرار ما يشير إلى أنها سعيدة بهذه الخطوة الأولى،  فهذه الطبقة الأولى من الستارة وصلت، وأعتقد بأنها كانت تتوقع عدد آخر من الطبقات ، فالمعركة مستمرة ولن تنتهي في أي وقت قريب، جهزت دفاعاتي، وحدثت نفسي مُستفسرةً هل أمد صبري لأعلى مستوياته، وتكون ست سنوات أخرى حتى أعلق الطبقة الثانية؟.

بعد مرور ست أشهر من شموخ الستارة الشفافة على نافذتي تحجب على إستحياء ١٪ من الشمس الزائرة لغرفتي، بدأت تعجبني فكرة التأمل من خلال الستارة الشفافة أكثر فتنة من ذي قبل، والتي تجعل من الأفق متدرج الألوان، وبأشكال (موردة) أجده في أوقات كثيرة مصدر إلهام، وبدايات لأسئلة الـ ماذا لو؟ التي أمارسها كلعبةٍ يومية لتمرينات الكتابة، والعديد من التساؤلات التي -شخصيا- أجدها مثيرة.

لكن دوام الحال من المُحال، تيقنت بأن جهاد والدتي لتشاهد الطبقة الأخرى من الستارة معلقة قد بلغ أشُدَه، فأخَذَتْ تعود لي باستراتيجيات متجددة ومباغتة في آن،  ولتخفيف الأعباء اليومية الأخرى عني فكرت بالإستسلام لأن حرب ذات الستائر هذه قد تتطور لتكون أساس لحروب تغيير أخرى، فالجانب الوديع يقول : “هي مجرد ستارة”، لكن الجانب المشاكس داخلي لا يريد تعليق الستارة، والجزء الماكر داخلي أوجد طرق تَحَايُل أخرى إضافية لقائمة جديدة في عقلي بعنوان:

كيف يمكن تأجيل تعليق ستارة في غرفتي لأطول وقت ممكن؟؟:
١- تجاهل المطالب!
٢- الخروج بحُجة فلسفية مُضادة لفكرة وجود الستارة ( تم دحضها)
٣-تجاهل المطالب مرة أخرى.
٤-محاولة المُماطلة باستخدام عبارات مشابهة لـ: لم أجد اللون المناسب.
٥- ستارة شفافة لا تحجب الأفق (عرفت والدتي بأنني أستهبل)
٦- تجاهل المطالب مرة ثالثة
٧- المجادلة على مبدأ الحرية في المساحات الشخصية (لم ينجح)

والآن كآخر الحلول التي قررت بعدها أن أضع أسلحتي جانباً وأرفع ستارتي البيضاء علامة الإستسلام :
٩- شراء قماش، والمُماطلة في خياطة الستارة
في تلك الأثناء حينما وصلت للمنزل بالقماش، مُدعية بأنني لم أجد مكاناً يستقبل الستارة لخياطتها، لحظات صَمْت دامت لدقائق بيني وبين والدتي، وأعتقد إذا كنت قد فهمت نظرتها جَيّداً، قالت لي بدون كلام: ” أنا سأتصرف”، قارئي العزيز؛ أعدك بإبلاغك بكل تحديثات ممكنة على مَراحِل المعركة المُتبقية. وحتى إشعار آخر هذا كل شيء.   

٤\٩\٢٠١٦م  … الساعة  السابعة مساءا :    هل يعرف بوذا كيف ينزل للعالم السفلي؟

المرة الأولى التي اقرأ بها كتاباً لجولي أوتسوكا، (بُوذَا في العَالم السُفلي)، جذبني عُنّوان الكتاب، الذي أجده ساخراً لحد الشجن، أين أنت يا بوذا؟ هل زرت العوالم السُفْلى؟  زمن الرواية يعود لما قبل الحرب العالمية الثانية، فعلى مَرِ العُصور تتكرر المِحَن البشريّة تتبدل الأشكال والأجناس لكن المصيبة واحدة، وكما قالت أوتسوكا “لا أحد ينتصرُ في الحرب، الجميع مهزومون”.

الضمير الجماعي الذي كتبت به الرواية  كان  بالبراعة بمكان أن عرّفنا على قصص كثيرة ومعاناة متعددة الأوجه، على لسان نساء بسيطات، هُنّ مهاجرات يابانيات لأمريكا،  محاولة لتوثيق تلك الحُقبة، مُنذ وصول صورة الزوّج المستقبلي، نستكشف تَوْق تلك الصبية ذات الـ١٤ ربيعاً لأحضان ذلك المجهول فهو الخلاص المُتوهم، عِشنا تفاصيل ركوب الباخرة، والاستقبال البارد الصارم على شواطئ العوالم الغريبة، الحنين الذي يقتل، ألم النزعة للحب الغائب الذي لم يعرف طريقا لحياة المهاجرات التعيسة. الصدمة الحضارية التي تواجهها تلك المهاجرات اللاتي ليس لهُنَّ في أرض الغرباء إلا أن يكونوا وسائل لتلبية رغبات أرباب العمل، أو رغبات الأزواج الليلية، في حياة تنظر إليهم كأدوات متعة وإنتاج أيً كان نوعة، تلك الحيوات الضائعة، بسبب طبيعة البشر المقززة أحيانا، وننتهي بتهجير اليابانيين من أمريكا بعد إندلاع الحرب.

مثل هذه الروايات التي تعيش معك مرارتها أوقات طويلة، قد تبقى لأزمان وكلما رَنّ اسم الكاتب نستطعم ذات الإحساس، يجب أن أُشير إلى الترجمة الخَلّاقة التي أضفت على النص جمال اللفظ بدون ضياع المعنى. دار مسكيلياني، ذائقتهم الأدبية الرفيعة وترجماتهم المتقنة تجعلني أقتني إصداراتهم بلا تردد. فالصديق شوقي العنيزي، ينتقي بكلِ صَبر وتروي، لم يخيب ظني حتى الآن بتقديم تجارب إنسانية منوّعة.

٥\٩\٢٠١٦م  … الساعة الثالثة فجراً …   نعناع الجنينة.. ذكريات مفاجئة:
يقول محمد منير:

قَدّمتْ شَكْوِتِي لِحَاكِمْ الخُرْطُوم… أَجِّلْ جَلْسِتِي لـمَّا القِيَامَة تُقُوم !!!!

You Might Also Like

9 Comments

  • Reply Nara 5 سبتمبر، 2016 at 9:28 م

    I enjoyed this mesha.. U r totally awesome

  • Reply Nara 5 سبتمبر، 2016 at 9:34 م

    لما جيت تحت البيت الويك اند .. أعجبت تماما بمنظر الستائر من الخارج .. و كيف ما يحجب النور من الداخل علامه على حياة احد ما ..

    و كنت متاكدة انها غرفتك 😂 مااعرف ليش

  • Reply تهاني 5 سبتمبر، 2016 at 10:53 م

    ميشا انتي ملهمة وجميلة

  • Reply اسامة سالمين 6 سبتمبر، 2016 at 5:36 م

    ٧- المجادلة على مبدأ الحرية في المساحات الشخصيه (لم ينجح)

    احب اقولك نعم وكلامك صحيح لأني عرفت المخبأ السري 👍🏼

  • Reply Bashayer 8 سبتمبر، 2016 at 2:16 م

    ومازالت غرفتك عاريه ;p

    Leave a Reply

    هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.