١٢\٩\٢٠١٦م.. الساعة الواحدة صباحا ٣٠ في معنى أن أكبر*
تتوقف لإحصاء أيامك على هذا الكوكب، لتتيقن بأنها مجرد ذكريات لا يمكن أن تتوحّد في نص، خاصة حينما تكون الحياة قد أخذتك في مناحٍ متشعبة، لتموج بك مرة ترتقي بك في أعالي السعادة ومرة في أسفل قاع الحزن والخذلان. لا يهم كم مرة نعود لنَلعَن بعض الذكريات، أو لنتأمل جمال أخرى، ما نحن عليه اليوم هو حصيلة كل ما عَبَرنَاه وعَبَرَنَا، السيّء قبل الجيّد، القبيح قبل الجميل، والصعب قبل الأسهل.
٣٠ عاماً لي على الأرض يالله! تبدو وكأنها دهراً!، ولأنني مهوسة بتجميع الأفكار ومحاولة الإجابة على كَمْ؟ ومتى؟ وكيف؟، تسائلت عن عدد الخطوات التي مشيتها على هذا الكوكب، الاتجاهات التي سلكت، بانتمائي للصحراء الذي أفخر به، بكوني حفيدة تلك السيدة البدويّة الحُرّة، التي قالت وهي تعطيني خيارات سأواجهها في مستقبل الأيام: الطريقة التي تتحدثين بها تصنع مسقبلك، هل تودين أن تكون تابعة؟ أو قائدة لحياتك؟، تلك السيّدة البدوية التي نامت إلى الأبد، وتركت لي عكازها أعلقه أمامي كتذكار للقوة، ودفعة لأكون ذاتي قبل أي شيء آخر.
أحاول أن أعود بذاكرتي للصفحات التي قرأتها، القصص التي كَتَبتْ، حتى تلك التي حُذِفَتْ قبل أن ترى النور، عدد المرات التي طُبع فيها اسمي على صفحات الجرائد، عدد المرات التي وقعت بها بحب شخصية هاربة من بين سطور الكتب، المرات التي حلمت بها بأن أسافر عبر الزمن.
عدد الأصدقاء الذين زرعهم الله في طريقي، المحادثات التي جرت بيننا الأفكار التي تبادلناها، الخذلان الذي مر بحياتي، الأيدي التي امتدت لي في أصعب الأيام، التجارب التي صقلت الشخص الذي أصبحته اليوم، تصالحي مع ذاتي، الأحلام التي مرت بخيالي تلك التي تحققت وحتى التي ماتت ومحاولات إحياءها، عدد السّاعات والليالي التي قضيتها وأنا أرقص على أنغام قادمة من الماوراء، من كل المدن التي حلمت يوما بزيارتها، عدد الخرائط التي علقتها لأخط عليها كل رحلات السفر التي أحلم بأن أسلكها، الاقتباسات التي زرعت في ذاكرتي القصائد التي كتبتها وخبأتها في مذكراتي، الشعراء الذين كبرت وأنا أتتلمذ على كلماتهم.
عدد حبات المعمول والمارشميلو التي رافقتني خلال رحلاتي مع الحرف والكلمات، وعدد فناجين القهوة التي كانت في معيّتها، عدد الفساتين التي ابتعتها لأحتفل بذاتي، الأحذية التي إرتديت، الأيام التي كنت أبحث بها عن سلسالي لأجده يتدلى من عُنُق شقيقتي وكأنه ملكها. الأقراط التي لم أغادر يوما منزلي بدونها، الليالي التي قضيتها مع شقيقتي نشاهد عروض الأزياء حول العالم، أو مارثوننا الخاص مع المسلسلات الأمريكية، المعارض التي زرتها معها اللوحات التي حلمنا باقتنائها، والمرات التي قالت لي جدتي ( هذا الفستان قصير لا يصلح )، وعدد المرات التي حاولت إرضاءها بشده قليلا للأسفل. تعابير وجه جدي القادم من زمن آخر، ونحن نجلس سويّا ونغنّي، إيماءاته المضحكة التي يتعمّدها لأضحك بأعلى صوتي كلما تذكرتها.
والكثير الكثير من الأشياء التي خبئتها الذاكرة بعيدا عن خيالي الآن، لكنها جزء لا يتجزأ من أيامي. أعتقد بأن أكثر ما يمكنني أن أكون ممتنة لأجله في عامي الماضي، هو تصالحي مع ذاتي قبولي لعيوبي الشخصية قبل مميزاتي، اعترافي بكل ما يجب أن تطاله يد التغيير في حياتي، كل ذلك يهيئني لأتطلع لعامي الُمقبل وكل المفاجأت التي تخبئها لي الأيام، فأنا الآن أقوى من تلك الطفلة التي وجدت نفسها وحيدة في مهب الحياة، وأنا اليوم سعيدة بما أصبحته، ولن أبدل أي تجربة خضتها بكل مُتَع الحياة التي رغبت.