كلنا نعرف معنى كلمة الصدق، لكن حينما نود أن نسقطها على الكتابة، وتحديدا على العنصر الخفي في العملية الإبداعية، تلك المشاعر خلف هذا العمل أو ذاك النص، خاصة في القصص الخيالية، كيف يمكننا وصف كلمة الصدق هنا؟.
أتذكر حوارا دار بيني وبين صديقتي إحسان في عام ٢٠٠٨ إن لم تخني الذاكرة كانت وجهت لي سؤالا في أول لقاء دار بيننا: ( بالنسبة للتدوينات في موقعك هل تحكي فيها قصصا حدثت لك بالفعل؟)، أجبتها بـ لا!، فكان ردها علي يحمل الكثير من التعجب، قائلة: لكن عماد الكتابة هو الصدق كيف ستكوني صادقة لو لم تكوني الشخص الذي عاش تفاصيلها؟”، حقيقة لم أجب بأي كلمة ذلك اليوم وانتهينا بحديث آخر.
هذا السؤال أحدث ربكة داخلي، كوني أبحث في تلك الفترة عن تعريف لمعنى الصدق في الكتابة خاصة حينما نحكي قصصا من وحي خيالنا أليست مختلقة؟ حتى وإن كان جزء منها مستدعى من الواقع الذي عشناه أو حدث لشخص ما نعرفه لكن بالتأكيد بقية التفاصيل أضافها الخيال أوجدها من العدم، بالتالي معظم التفاصيل غير حقيقية، إذا كيف يمكنني الكتابة بصدق هنا؟.
تلك المرحلة من حياتي كانت مرهونة للبحث عن صوتي الحقيقي أو عن نقاط قوتي، لذلك توقفت عن الكتابة لفترة من الزمن وأصدقكم القول كانت فترة غريبة بعض الشيء. أتذكر أن بعد هذا الحوار بسنتين، إلتقيت إحسان واستعدت تفاصيل ذلك اليوم معها وقلت لها بأنني توقفت عن الكتابة بسبب سؤالها، وأخذنا نناقش كلمة الصدق وما تعنيه لنا.
بعد الكثير من التفكير توصلت لقناعة شخصية بأن الصدق في الكتابة ليست أمرا مرهونا بصدق ما حدث لك من عدمه، خاصة حينما نحكي قصة مختلقة، ليس من الضرورة نقل الواقع كما هو بالتأكيد ستكون هناك أحداث وتفاصيل لم نشهدها بذاتنا، لكننا كنا قد غصنا في شخصياتنا حتى خيّل لنا بأننا من شهد القصة، حينما تلمس هذا القاع وتعود للأعلى مجددا ستصل للقارئ بصدق لم يتوقعه منك. ماذا عن القصص التي تتضمن تنين يطير وفتاة تمتطي خيلها الطائر وماذا عن قصص الخرافات، وغيرها، تلك التي لم تحدث حقيقة -ربما كانت واقعا لا نعلم في نهاية المطاف هذا العالم مليء بالأسرار المجنونة التي لن نعرف مدى صدقها أبدا أليس كذلك؟-. لكن جزء منها هو كتابات تلمسنا بشكل لن يحدث مع مئة قصة حقيقية وواقعية شهدناها بأنفسنا.
إذا ماهو الصدق هنا؟
الشعور الذي تسلل إلينا بأصالة هذه القصص وتأثيرها علينا هو الشعور المرتبط باحساس الكاتب حينما جلس إلى دفتره يحكي لنا التفاصيل التي هزتنا هو شيء في الخلفية كموسيقى تملأ الصمت بالاحساس، ومدى ارتباط الكاتب بشكل شخصي بما كتبه، هناك الكثير من القصص التي قرأتها رغم جمال لغتها و ترتيب أفكارها واحتوائها على كل عناصر القصة الناجحة لكن شيئا بها يدفع بي بعيدا عن إكمالها لماذا؟، أشعر وقتها بأن الكاتب كتب يتكلف ويستعرض لذلك ننفر كقراء منها في حين أن نص آخر ربما لا يحتوي على أي مفردة جديدة قد تدهشنا قد وتجبرنا على تأملها مرة واثنان وثلاث. فالقارئ ذكي لدرجة تفوق الكاتب ومدى استشعاره للنص على درجة عالية من الحساسية.
كيف أرتبط مع مشاعري أثناء الكتابة ؟
١-
قبل كل شيء إبحث عن ما يدفع للتوحد مع ذاتك والكتابة، والصدق هو محصلة طبيعية حينما لا تفكر بأي شيء سوى ترجمة ما يدور في نفسك وعقلك.
٢-
خذ وقتك في التفكير في الشخصيات\الحدث\الفكرة\الدافع، قبل الكتابة حتى تترجمها لاحقا وأنت تعي كل تفاصيلها.
٣-
بالنسبة لي ليست لدي وصفة سحرية هنا ولازلت أتخبط بحثا عن وسائل تواصل مع الذات، لكنني أكتب بأفضل حال ممكنة حينما تشتتني أفكار كثيرة ألجأ للكتابة كعلاج لحظي لشعوري أجبر نفسي على البداية بنص حر بعدها أفتح دفتر الأفكار والتقط فكرة سجلتها سابقا لأكتب هربا من الواقع إلى متاهات عقلي، وذلك يساعد بالارتباط المباشر بيني وبين ذاتي حيث نفهم كلانا بأن لا ملجأ لإحدانا من الأخرى لذلك هذه الساعات التي أكتب بها تبلور أفضل حالات الصدق.
٤-
والأهم كن صادقا مع المشاعر التي تمر بك لا تكتب نصا مليئا بالفرح وكل ما تشعر به هو التعاسة أخرج تلك التعاسة أولا في مرحلة الكتابة الحرة ثم تفرغ لخيالك.
لنعود لحواري مع إحسان، كان المحرك الحقيقي لأفكر وأبحث وأغوص للداخل، إحسان كاتبة رائعة تُعبّر بطريقة استثنائية تسرق الدهشة مني دئما، شكرا لسؤالك الذي قادني لكل هذا.
No Comments